الاثنين، 17 ديسمبر 2012

بحث عن اسماء الله الحسنى ( القريب )

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

1 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مقترنا بغيره من الأسماء :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( القريب ) ، وقد ورد اسم الله ( القريب ) في القرآن الكريم مطلقاً منوناً ، مرادا به العلمية ، دالاً على كمال الوصفية ، ومقترناً باسم الله المجيب ، كما في قوله تعالى :
﴿ فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ﴾
( سورة هود )
واقترن باسمه السميع ، في قوله تعالى :
﴿ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾
( سورة سبأ )
2 – ورودُ اسم ( القريب ) في القرآن الكريم مفرَدًا :

ورد هذا الاسم أيضاً مفرداً في قوله تعالى :
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 186 )
3 – قربُ الله قربُ علمٍٍ وقدرةٍ :
أيها الإخوة ، هذا الاسم له قرب من الإنسان شديد ، المعنى أنك إذا أيقنت الله معك فلن تستطيع أن تعصيه ، بل حينما تشعر أن قرب الله قرب علم ، وأن قرب الله قرب قدرة لا يمكن أن تتجاوز أمره
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
( سورة الطلاق )
فعلّة خلق السماوات والأرض أن تعلموا .
﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾
( سورة الطلاق )
4 – قربُ الله يستلزم معيّته :
حينما توقن أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك ، وأن قرب الله قرب علم ، وأن قرب الله قرب قدرة ، أنت في قبضته ، وعلمه يطولك ، وقدرتك تطولك ، فكيف تعصيه ؟ حتى إنه قد قيل : أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان .
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
( سورة الحديد الآية : 4 )
وهو مع المؤمنين بالحفظ ، والتأييد ، والنصر ، التوفيق .
فلذلك أيها الإخوة ، ورد في مرتبة الإحسان :
(( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ )) .
[ مسلم عن عمر بن الخطاب ]
﴿ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
( سورة الشعراء )
أحياناً يكون الإنسان قريباً منك ، يلازمك كظلك ، لا يفارقك ، مهما يكن محبوباً تضجر من قربه ، تقول : دعني وشأني ، أيّ إنسان إذا لازمك ورافقك لا تحتمل قربه ، تحتاج من حين لآخر ألا أن تنفرد بنفسك ، ومع أن الله معنا في كل وقت ، وفي كل حين ، وفي كل شأن :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
لكن معية لطيفة لا تشعر بثقل وجوده ، بل تشعر براحة وجوده .
5 – قربُ الله أكبر ضمان لاستقامة العبد :
فلذلك أعلى درجة من الإيمان أن تشعر أن الله معك ، وأكبر ضمانة للاستقامة أن تشعر أن الله معك ، وأكبر باعث للخشية أن تشعر أن الله معك ، وأكبر مُطمئِنٍ لك أن تشعر أن الله معك .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
بالموازين الأرضية لا أمل ، فرعون بقوته ، بجيشه ، بطغيانه ، بحقده ، بجبروته ، يتابع نبياً مع شرذمة قليلين من بني إسرائيل ، إلى أن وصلوا إلى البحر ، وانتهى الأمر ، بالموازين الأرضية لا أمل في النجاة أبداً .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ .
( سورة الشعراء )
معية الله للمؤمنين معية النصر ، معية التوفيق ، معية التأييد ، معية الحفظ ، ومعية الله لأي إنسان كائناً من كان ، حتى ولو كان ملحداً فهو معه معية العلم :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
إما أن تكون المعية معية علم لكل خلقه ، وإما أن تكون المعية معية توفيق ، وحفظ ، وتأييد ونصر .


إلا أن المعية الخاصة لها ثمن ، ولا شيء بلا ثمن .
﴿ وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾
( سورة المائدة الآية : 12 ) .
معية الله عز وجل لها ثمن ، وأعلى درجة الإيمان أن تشعر أن الله معك ، قريب منك ، هو أقرب إليك من حبل الوريد ، قال بعض العلماء : أقرب إليك من روحك .
امسك قطعة كهربائية ، وضمها إلى صدرك ، وضمها ضماً شديداً ، مهما تكن قريباً منها ، ومهما تكن قريبة منك ، مهما شددت عليها ، الذي أقرب إليها منك القوة الكهربائية التي تحركها ، لكن الله سبحانه وتعالى ، ولله المثل الأعلى أقرب إليك من القوة التي تمدك بالحياة .
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
( سورة ق )
فهو معنا ، يطلع علينا ، يطلع على خواطرنا ، على نوايانا ، يطلع علينا ، إذا تكلمنا فهو يسمعنا ، يطلع علينا فهو يرانا ، يطلع على قلوبنا إذا أضمرنا ، لا تغيب عنه غائبة ، ولا تخفى عنه خافية ، هذا الإيمان إلى أن نصل إليه نكون قد حققنا تسعة أعشار الطريق إلى الله ، أن الله قريب :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ .
( سورة الشعراء )
أيها الإخوة ، للتقريب : إن الإنسان لو زاره رجل من علية القوم ، من وجهاء الحي ، من أقرب الناس إليه ، في الأعم الأغلب يرتدي ثيابا جميلة ، في الأعم الأغلب يجلس جلسة مؤدبة ، في الأعم الأغلب ينتقي كلمات دقيقة ، في الأعم الأغلب يتجمل أمامه ، فإذا كان هذا حالنا مع كبراء القوم ، هذا مع علية القوم ، فكيف حال المؤمن مع خالق السماوات والأرض ؟ .
الحقيقة أن الخشوع يحتاج إلى إحساس بالقرب ، ودائماً وأبداً يشعر المؤمن أن الله معه ، فهو أولاً في طمأنينة ، وثانياً في مراقبة .
الأعرابي الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : يا رسول الله ، عظني ولا تطل ، فتلا عليه قوله تعالى :
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ .
( سورة الزلزلة )
قال هذا الأعرابي : كُفيت ، فقال عليه الصلاة والسلام : فَقُه الرجل ، لم يقل فَقِه قال فَقُه ، يعني أصبح فقيهاً ، آية واحدة كفته .
صدقوا أيها الإخوة ، أن هناك آيات لا تعد ولا تحصى ، الواحدة منها تكفي .
﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾
( سورة النساء )
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
وهو قريب منكم .

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾
أحياناً تدعو الله بقلبك ، ولا تحرك شفتيك ، ولا تنطق بكلمة .
حدثني رجل ، قال لي : والله انتهيت من أداء خدمتي الإلزامية ، ولا أملك من الدنيا شيئاً ، أعطتني أختي سوارا من الذهب ، فبعتها ، واشتريت بها بطاقة إلى بلاد الخليج ، وأنا راكب في الطائرة أضمرت في قلبي أن إذا أكرمني الله عز وجل سأبني له مسجداً في بلدتي ، قال لي : الله ما حركت شفتاي بهذا الكلام ، وبعد أعوام مديدة أنشأ هذا المسجد ، وصليت في المسجد ، وحدثني عن قصته .
لذلك الله عز وجل مطلع على خواطرك ، يمكن أن تدعوه بقلبك .
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ﴾
( سورة مريم )
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾
( سورة البقرة الآية : 186 ) .
الدعاء سلاح المؤمن ، وأنت بالدعاء أقوى إنسان ، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله ، إن أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك إذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتقِ الله .
أيها الإخوة :
(( ما من عبد يعتصم بي دون خلقي أعرف لك من نيته فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماء بين يديه ، وأرسخت الهوى من تحت قدميه )) .
[ أخرجه ابن عساكر عن كعب بن مالك ]
فأنت إذا أيقنت أن الله قريب منك ، وأنه معك ، وأنه مطلع على سريرتك ، لأنه يسمع دعاءك ، ويرى حركتك ، ويعلم ما في قلبك ، لا بد من أن تستقيم على أمره ، ولا بد من أن تستحي منه .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ ، وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )) .
[ أخرجه أحمد ، والترمذي والحاكم ، والبيهقي ]


إذاً : الموضوع أن تشعر أنه معك ، ومرتبة الإحسان ، وهذه في النصوص الصحيحة تأتي فوق مرتبة الإيمان ، هناك مرتبة الإسلام ، ومرتبة الإيمان ، ومرتبة الإحسان ، مرتبة الإسلام أن تخضع للواحد الديان ، أن تخضع جوارحك لمنهجه ، أن تؤدي زكاة مالك ، أن تصلي الفرائض ، أن تدفع الزكاة ، أن تحج البيت ، أن تغض البصر ، أن تكون صادقاً ، أميناً ، عفيفاً ، منجزاً للوعد ، راعياً للعهد ، هذا هو الإسلام .
﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ .
( سورة الحجرات الآية : 14 ) .
فالإسلام أولاً ، مرتبة الإسلام خضوع الجوارح والأعضاء لمنهج الله عز وجل ، أما الإيمان فأن ينعقد مع هذا الخضوع صلة بالله عز وجل ، فتقبل عليه ، لذلك الإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالإقبال على الله ، وينقص بفتور العلاقة معه .
المرتبة الثالثة مرتبة الإحسان ، هذه متعلقة باسم ( القريب ) ، أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
أيها الإخوة ، أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان .
أيها الإخوة ، ورد في بعض الأحاديث عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ، إِنَّهُ مَعَكُمْ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ )) .
[ متفق عليه ]
إنه معكم ، وأبرز ما يميز المؤمن خشوعه ، وأسباب خشوعه إيمانه أن الله معه ، وهناك قصص لا تعد ولا تحصى تبين أن الناس يتفاوتون بإيمانهم ، بقدر إدراكهم بقرب ربهم :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾
6 – من معاني اسم ( القريب ) :
الآن ما معنى اسم ( القريب ) على التفصيل :
1 ـ القرب المكاني :
أول معنى هناك القرب المكاني ، القريب عكس البعيد ، القريب ليس بينك وبينه حجاب ، البعيد بكل معاني الكلمة ، هناك قرب المكان ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾
( سورة التوبة الآية : 28 )
من معاني القريب قرب المكان ، تؤكده هذه الآية الكريمة :
﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾
2 ـ القرب الزماني :
ومن معاني القريب قرب الزمان .
﴿ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾
( سورة الأنبياء )
إما قرب مكاني ، وإما قرب زماني .
3 ـ قُربُ النَّسب :ومن معانيه القريب في النسب :
﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾
( سورة النساء الآية : 7 )
عندنا قرب نسب ، وبالمناسبة : هناك قاعدة : الأقربون أولى بالمعروف ، من أدق هذه القواعد : القرب النسبي ، والقرب إلى الفقر ، والقرب إلى الإيمان ، عندك ثلاثة موازين في دفع صدقتك أو زكاتك ، إما أنه أفقر ، أو أنه أقرب إلى الإيمان ، أو أنه أقرب إليك نسباً .
إذاً :
﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ﴾
4 ـ قُرب الحظوة :
ومن معاني القرب قرب الحظوة ، أحيانا يكون الإنسان قريبا من إنسان يحتل مركزا مرموقا ، وله رجلٌ قريب جداً منه ، بإمكانه أن يدخل عليه بلا استئذان ، بإمكانه أن يبوح له بكل شيء ، هذا قربُ الحظوة ، وعندنا قرب مكان ، وقرب زمان ، وقرب حظوة ، هذا المعنى في قوله تعالى :
﴿ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾
( سورة الواقعة )
كيف هو قريب ؟ قال : هو قريب من خلقه كما شاء ، وكيف شاء ، هو القريب من فوق عرشه ، أقرب إلى عباده من حبل الوريد ، كما قال تعالى :
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
( سورة ق الآية : 16 )
﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾
( سورة الواقعة )
إنسان حضرته الوفاة ، أقرباءه ، زوجته ، أولاده ، إخوته حوله ، قريبون منه ، يضعون يدهم على جبينه ، وهذا على يده يقيس ضغطه ، كل هذا القرب قال تعالى :
﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴾
لذلك حينما تصل إلى أن تؤمن أن الله معك دائماً ، تكون قد قطعت تسعة أعشار الطريق إلى الله ، والإحساس بقرب الله عز وجل أكبر باعث على طاعته ، وأكبر باعث على الخشية منه ، والإنسان حينما يرى أن الله معه يقبل عليه .
(( يا موسى أتحب أن أكون جليسك قال : كيف ذلك يا رب ؟ أما علمت أني جليس من ذكرني ، وحيثما التمسني عبدي وجدني )) .
[ ورد في الأثر ]
لذلك القرب من الله قمة التدين ، قمة الإيمان أن تكون قريباً من الله ، القرب من الله يعني الانضباط ، القرب من الله يعني الشعور بالأمن ، القرب من الله يعني الشعور بالسكينة ، القرب من الله يعني الشعور بالسعادة ، الشعور بالرضا ، هذه المعاني الدقيقة جداً لذلك في قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ .
( سورة العنكبوت الآية : 45 ) .
ذكر الله لكم وأنتم تتصلون به أكبر من ذكركم له ، وأنتم تعبدونه ، لأن الله إذا ذكر الإنسان منحه نعمة الأمن ، والأمن بشكل أو بآخر خاص بالمؤمنين ، قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾
( سورة الأنعام ) .
والله أيها الإخوة ، ما من نعمة أعظم عند الله من أن تشعر بالأمن ، من أن تشعر أن مصيرك بيد الله ، لا بيد زيد ، ولا بيد فلان أوعلان ، مصيرك بالله ، رزقك بيده ، صحتك بيده ، الأقوياء بيده ، أعداءك بيده ، أقرب الناس إليك بيده ، من له علاقة حميمة معك بيده .
لذلك : (( عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد )) .


لذلك القرب من الله يعني الشعور بالأمن ، سيدنا يونس وجد نفسه فجأة في بطن حوت ، بمقاييس الأرض الأمل صفر ، النجاة صفر ، بطن الحوت ، يقف المرء في فمه قائماً ، وجبته المعتدلة أربعة أطنان ، الإنسان كله خمسين كيلوا ، والحوت وجبته المعتدلة بين وجبتين أربعة أطنان ، نبي كريم يجد نفسه في بطن حوت ، في ظلمة الليل ، وفي ظلمة البحر ، وفي ظلمة بطن الحوت ، العلماء يقولون : تحت 200 متر ظلام دامس ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ، فهو في ظلمة الليل ، وفي ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة البحر .
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
لأنه يحس أن الله معه .

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء ) .
أروع ما في الآية أن التعقيب نقلها من قصة وقعت إلى قانون مستمر ، قال :
﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
لذلك المؤمن سلاحه الدعاء ، إحساسه أن الله قريب منه ، وأن الدعاء أقوى ما يميزه عن غير المؤمن ، والدعاء له قوة لا يملكها خصمه .
7 – من ثمرات اسم ( القريب ) :

أيها الإخوة الكرام ، من ثمرات اسم ( القريب ) أنه ينصرك ، فلا تخشى بالله لومة لائم .
حينما أدى الحسن البصري واجب العلماء في التبيين ، وبيّن ، وسمع الحجاج مقالة الحسن البصري ، وغضب غضباً شديداً ، وتوعده بالقتل ، وقال لمن حوله : " يا جبناء والله لأروينّكم من دمه ، وأمر بقتله ، وجاء بالسياف ، وأرسل في طلبه ، دخل الحسن البصري إلى المجلس ، فإذا بالسياف ، وإذا بالنطع قد مد ، فحرك شفتيه ، لأنه يشعر أن الله قريب منه ، فحرك شفتيه ، وإذا بالحجاج يختلف أمره ، يقف له ، ويقول : أهلاً بأبي سعيد ، أنت سيد العلماء ، شيء غير متوقع ، ومازال يدنيه من مجلسه حتى أجلسه على سريره ، وسأله في بعض القضايا ، واستفتاه ، وضيفه ، وعطره ، وشيعه إلى باب القصر ، الذي صُعق السياف والحاجب ، فتبعه الحاجب ، قال : يا أبا سعيد ، لقد جيء بك بغير ما فُعل بك ، فماذا قلت بربك ؟ قال : قلت : يا ملاذي عند كربتي ، يا مؤنسي في وحشتي ، اجعل نقمته عليّ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم " .
أنت حينما تشعر أن الله قريب منك تدعوه في أي وقت ، وفي أي مكان ، وفي أطباق السماء وأنت راكب الطائرة ، وفي أعماق البحار وأنت في غواصة ، وعلى سطح الأرض ، وعلى أي مكان في الأرض ، وفي أي حال .
لذلك الشعور بالقرب من الله شعور مُسعِد ، الشعور القرب من الله شعور مطمئن ، الشعور بالقرب من الله شعور السكينة التي تسعد بها ، ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق